
















اهلا-التاريخ تعتبر رحلة حنون القرطاجي من الرحلات المهمة التي سجلها لنا التاريخ وهي وصف رحلة (حنون - Hannon) القرطاجي، إذ أشار إليها العديد من المؤلّفين اليونانيين واللاتين، ولقد علّق حنون روايته البطولية في معبد (بعل - Baal) حيث كان للقرطاجيين أنفسهم ولجميع الزائرين أن يطّلعوا عليها.
انطلقت الرحلة من مدينة قرطاج في حوالي القرن الخامس قبل الميلاد، ووصلت أخبارها عن طريق ترجمتها الإغريقية، وقد اشترك في هذه الرحلة الليبيون إلى جانب القرطاجيين، ويلاحظ بأن الرحلة لم تشير إلى أنّها سلكت شواطئ بلاد المغرب، أو شواطئ جنوب غربي أوروبا فيما عدا ذكرها لاجتياز «أعمدة هرقل» التي هي مضيق جبل طارق الحالي ..
غير أن اشتراك الليبيين في هذه الرحلة ووقوعها بعد (معركة هيميرا - Battle OF Himera) في ٤٨٠ قبل الميلاد، والتي انهزمت فيها قرطاج لأول مرة أمام الزحف الإغريقي في جزيرة صقلية، ثم انتهاج القرطاجيين بعد ذلك لسياسة إفريقية تعتمد على الاستيطان، يجعلنا نرجح بأن رحلة حنون كانت قد سلكت شواطئ المغرب القديم قبل اجتيازها لأعمدة هرقل.
أورد (المصطفى مولاي رشيد) ترجمة لهذه الرحلة وتحدث عن رواية حنّون ملك القرطاجيين كالتالي: «لقد قرر القرطاجيون أن يتجاوز حانون أعمدة هيركليس، وأن يؤسس مدناً لليبيون الفينيقيين، بستين سفينة ذات الخمسين مجدافاً، ورافقه حوالي ثلاثون ألفاً من الرجال والنساء، زُوِّدُوا بالأغذية وبكل المعدات اللازمة».
كُلف حنون إذن بإنشاء المستوطنات في إفريقيا، فيما وراء مضيق جبل طارق، فماهي أسباب هذا القرار؟ هل يعني ذلك التخفيف على قرطاجة من تزايد السكان، من عناصر مشوشة؟ هل يعني إنعاش أو تعويض مراكز فينيقية قديمة كانت على الساحل المغربي، فتدهورت وربما تدمرت؟
كان يوجد ثلاثمائة ألف مواطن بقرطاج، وفي هذه المدينة بالذات جرى ضغط ديمغرافي كان بمثابة مواجهة هجرة ذات نطاق واسعاً، فكانت هناك مجموعات كثيرة من الوافدين على العاصمة القرطاجية حُبَّاً في مغرياتها المادية، وخلق ذلك نوع من البطالة، مِمّا جعل الدولة القرطاجية تبحث عن مخرج لهذه الأزمة والضيق، فبحثت في وسيلة ذهاب هذه الجموع الوافدة على قرطاجة فوجدت الحل في تنظيم رحلات بحرية منها رحلة حنون التي كانت تهدف إلى الاستكشاف وفتح أفاق ومستوطنات جديدة ترفع عن مدينة قرطاج أعباء التدفق الديمغرافي على العاصمة قرطاج.
جرت رحلة حنون في القرن الخامس قبل الميلاد، وقد استغرقت مدة عامين ونصف، وكانت مسافتها خمسة وعشرون ألف كلم، إن رحلة حانون تعد كهمزة وصل بين قرطاجة واللوبيين، والتي عبر من خلالها بسفنه على الساحل القرطاجي، ثم عرج على سواحل نوميديا.
لقد كانت نتائج رحلة حنون هي تأسيس ست مستوطنات على سواحل المغرب، وأخرى عند مصب الساقية الحمراء، تقريباً في مواجهة جزائر الكناريا، كما أتاحت الاطلاع على النماذج الحضارية لبلاد المغرب، وزادت من التواصل الاجتماعي الليبي القرطاجي.