
















اهلا عندما تحلّق الطبيعة وتحدّق:
هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع ahlan هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة راي التحرير في موقع اهلا .
يمكنكم ارسال مقالاتكم مع صورة شخصية لنشرها الى العنوان: ahlanweb@gmail.com
(من الارشيف)
هذا الصقر معروف عند العرب باسمه الفارسي "شاهين"، وهو النوع الأقوى بين الصقور، والأسرع بين الطيور، حيث تبلغ سرعته أثناء الهجوم حوالي 380 كيلومتر في الساعة. يسمّى في الريف المغربي "بوعمران"، وفي الأطلس "بوعميرة". ويبدو أن الأطالسة يميّزن جيدا بينه وبين الباز، أما في الريف، أو في منطقتنا تحديدا، فلا يميّزون في الأسماء بدقة رغم أن الباز مختلف كثيرا. يطلقون اسم "فارشو" على الباز، ولكن هذا هو الاسم العلمي للشاهين، أي "Falcon". وربما يطلقون اسم "الباز" على النسر. ورغم أنه جزّار محنّك إلا أن الشاهين جميل أيضا، وقد افتتن به الفراعنة فجعلوه رمزا للألوهة، والإله حورس الذي أخذه الفراعنة من الأمازيغ القدماء له رأس الصقر، أي شاهين بالذات.
عيناه تختلفان كثيرا عن عيون باقي الطيور، فهما عبارة عن بؤبؤين فقط، يتكدّس فيهما سواد خالص، وهذا يجعله مميزا عن الباز الذي لا تختلف عيناه كثيرا عن عيني الديك ولكنه رغم ذلك يبدو أشرس ومخيفا أكثر من الشاهين، وطبعا هو أكبر حجما.
وكما هو شأن الشعوب، فإنّ الجوارح، وعلى رأسها الباز والصقر، تشكل الطبقة الأكثر تقدّما من الناحية البيولوجية والفيزيولوجية، أما الدجاجيات، فهي تشكل الطبقة السفلى التي تساوي طبقة المنبوذين في الهند، ففي عالم الطيور يتبيّن لنا بأنّ الطبيعة مع الأذكى والأقوى. لقد كان بإمكان الديك أن يصبح مثل الشاهين، لو أنّه تدرّب على التحديق والتحليق والحرب، أعني: المصارعة الحرّة وليس تلك المناوشات التي تحدث بين الديكة من أجل الفوز بالدجاجة.
فمن كثرة التحديق، اتّسعت عيون الجوارح بصفة عامة، وعيني الشاهين بصفة خاصة، ومن كثر التحليق، بلغ هذه السرعة المذهلة، ناهيك عن الرشاقة و البراعة المذهلة أيضا في الصيد. لما اختار الديك ألا يقاتل إلا من أجل دجاجته، بقي نباتيا مثل الهندوس، وضاقت عيناه وقصرت مخالبه وشُلّت جناحاه، ذلك هو شأن الانسان، فالشعب الذي تدرّب عبر أجيال عدة على حسن استخدام عقله، يتمكّن من قيادة التاريخ والتحكّم في مصير الشعب المستسلم للخرافات. فكلما أعملتَ عقلك، ازداد اتساعا وانفتاحا وإداركا وتحليلا. وكلما أهملته، ضاق عليك وخفُت حتى يكاد يشلّ تماما.
مثلا: المسلمون يتصوّرون بأنّ أمريكا تفضّل إسرائيل عليهم لأسباب عرقية أو دينية، لكن الواقع أنّها تفضّل إسرائيل بسبب قوتها وذكائها وتحضّرها، فكما أن الطبيعة تحالف الصقرَ ضد الديك، فكذلك أمريكا تحالف إسرائيل القوية الذكية الديمقراطية ضد الشعوب الإسلامية الضعيفة الكسولة، عندما تصبح في الشرق الأوسط أو في عالم الإسلام كله دولة مثل إسرائيل في القوة والذكاء والمدنية، عند ذلك فقط يحقّ للعاقل أن يتساءل: لماذا تهملنا الدول العظمى. إذا شئتَ أن تحلّق في الأعالي، فعليك أن تكون صقراً لا ديكاً.
إنّ الديك-بسبب كسله التقليدي المتوارث ديكا عن دجاجة- مهما احمرّت أوداجه وانتفشت بُرائله أمام ديك مثله، لا يفكر مطلقا في مقاومة الصقر، إذ يعتبر أن المعركة خاسرة في جميع الأحوال، رغم أنه، أي الديك، قد يزن أكثر من ثلاث كيلو غرام، في حين لا يكاد الشاهين يزن اثنين، وهذا دليل آخر على أن العضل لا يجدي أمام العقل.
سعيد بودبوز