
















اهلا - الياس خوري لم أعش يوماً في مدينة عربية أو اسلامية كي أسمع صوت "المدفع" في رمضان. ولم أتساءل حتى اليوم عن "تاريخ هذا المدفع الرمضاني"، ولكني تفاجأت قبل قليل، وأنا أراجع أحد الأعداد القديمة لمجلة "التراث الشعبي" العراقية (عدد شباط ١٩٦٤) بأن "ابراهيم الداقوقي"، رئيس تحرير المجلة المذكورة وقتها، يكتب - ما ترونه - من أن "نابليون بونابرت" هو الذي ابتدع "فكرة صوت المدفع في رمضان" وطبّقه في "مصر" قبل أن تعمّ هذه العادة الكثير من البلاد العربية الأخرى.
هذه المعلومة قادتني ٠ بالضرورة ٠ الى التفكير في ظاهرة غريبة في التاريخ، يكون فيها لبعض السنوات القليلة وبعض الشخصيات أثر عظيم لا يمحّي بالقياس الى أثر آخرين لفترات طويلة في تاريخ نفس البلد: فلقد دخل الأتراك العثمانيون القاهرة سنة ١٥١٨ وبقوا فيها مئات السنين، فهل نستطيع اليوم أن نجد لهم معلماً حضارياً واحداً فيها؟ لا أدري، ولكن إن وجدت فإنك لن تجد أكثر من "مسجد" هنا أو "حمّام" هناك. بينما جاء "الفرنسيون" الى مصر لفترة تقلّ عن السنوات الثلاث (١٧٩٨ - ١٨٠١ م) فتركوا أنسيكلوبيديا "وصف مصر"، واكتشفوا سبل قراءة اللغة المصرية القديمة فبعثوا حضارة جميلة عمرها آلاف السنين من رقادها، في نفس الوقت الذي أدخلوا فيه إليها "قوانينهم" (دستور نابليون) كي تؤثر هذه القوانين - فيما بعد- في معظم الدساتير الشرقية وتطوّرها. هذا بالإضافة طبعاً إلى الصدمة التي أحدثها "نابليون" للمشرق العربي الاسلامي وقتها، والتي كانت من نتائجها التواصل الحضاري الحثيث بين الشرق والغرب، ودخول مشرقنا بعد سبات دهور طويلة في نهضة أدبية وفكرية صرنا نسمّيها فيما بعد "عصر النهضة". طبعاً، هذا كله بمعزل عن إدخالهم "لمدفع رمضان" الذي كان في أيام "نابليون" وسيلة ناجعة ودقيقة جداً لحفاظ المسلمين بدقّة على مواعيد الإمساك والإفطار.
ملاحظة أخيرة مهمّة: أنا لستُ "فرنسي" الهوى، ولا أحبّ "نابليون" بالذات (لأسباب أخرى)، ولكني انتبهت الى ما ذكرته أعلاه من ملاحظات وأنا أقرأ هذا النص الذي تراه في الصورة المرفقة.