لا تبتئس بالظلم إنّ غداً لناظره قريب (إبراهيم طوقان)
أناشيد وطنية فلسطينية حفظناها عن ظهر قلب حين كنا طلاباً لكنها مع الأسف لم تلامس نخوة “المعتصم”. “المعتصم” هو القادة العرب الذين تجاهلوها، وكأن فلسطين لا تعنيهم. نداءات الاستغاثة من شعبها تم تهميشها. حين كنا طلاباً صغاراً حرصنا أن ننشد كل صباح:
فلسطين أرضي وروحي وعرضي أموت لفرضي ويحيا الوطن
حفظنا بحماس:
“بلادي بلادي فداك دمي” و”جدّدوا العزم وخوضوا النوبا”
حفظنا مستبشرين نشيد الشاعر الفلسطيني الكبير إبراهيم طوقان:
مَوطني الشبابُ لن يكلَّ همُّهُ أن تستقـلَّ أو يبيد
نستقي من الرّدى ولن نكون للعـدى كالعبيد
لا نُريد بل نُعيد
مجدنا التّليد
مَوطني
حين زار الأمير (سعود بن عبد العزيز) عنبتا في فلسطين قبل نكبة 1948 أنشد الشاعر الفلسطيني المرحوم عبد الرحيم محمود قصيدة بين يديه يقوله فيها:
يا ذا الأمير أمام عَيْنِـك شاعرٌ ضُمَّت على الشَّكوى المريرة أَضْلُعُه
المَسجد الأقصى أَجِئْتَ تَزُورُه؟ أم جئـت من قِبَلِ الضِّبَـاع تُوَدِّعُهْ؟
حَـَرمٌ مُبـاحُ لكـل أَوْكَعَ آبقٍ ولكـلِّ أَفَّــاقٍ شـَرِيدٍ، أَرْبُعُه
وغدًا وما أدناه، لا يبقى سوى دَمْعٍ لنـا يَهْمَـي وَسِـنٍّ نَقْرَعُه
قبل نكبة فلسطين 1948 وفي الثلاثينات من القرن الماضي تشكلت أحزاب سياسية فلسطينية مطالبة بريطانيا المنتدبة على فلسطين أن تمنح شعبها استقلاله. لكن بريطانيا المستعمرة نجحت في تفتيت هذه الأحزاب فدبت الخلافات بينها وشغلتهم المناصب!
وتحدث ثورة فلسطين العارمة سنة 1936، ويعمّ الإضراب مدن فلسطين كلها مستمراً ستة أشهر كانت ثورة كبرى أرعبت المستعمر البريطاني، غير أنها فوجئت بنداء من زعماء العرب آنذاك تضمنه هذا البيان:
“إلى أبنائنا عرب فلسطين.. لقد تألمنا كثيراً للحالة السائدة في فلسطين! فنحن ندعوكم للإخلاء إلى السكينة حقناً للدماء، معتمدين على حسن نوايا صديقتنا بريطانيا ورغبتها المعلنة لتحقيق العدل!! وثقوا بأننا سنواصل السعي في سبيل مساعدتكم! (انظر: وليد جرار: كتاب شاعران من جبل النار، ص 410)
ومع ذلك لم تفتر عزائم بعض القادة الفلسطينيين بعد هذه الثورة فبرز القائد الشهيد عبد القادر الحسيني بطل معركة “القسطل” الذي حين نفذ عتاده استعان بالعرب فلم يجد مساعدة. وبحق ما ذكره وليد جرار في خاتمة كتابه من أن “جيل 1936” هو “جيل المقاومة” مشيراً هنا إلى شخصيتين فذّتين شاركتا في النضال الثوري آنذاك هما: عز الدين القسام وعبد الرحيم الحاج محمد. (المرجع السابق ص 383)
أتساءَل اليوم ونحن في القرن الحادي والعشرين أما آن لنا كفلسطينيين أن نستلهم الدروس والعبر من تراث الثورات الفلسطينية في الثلاثينات؟ أما آن لنا أن نتناس الخلافات ونضع نصب أعيننا تحرير أرضنا الفلسطينية.
دعونا نستعيد بطولة جيل 1936 التي شهد بعظمتها الكثير من رؤساء العالم وزعمائه. حتى “هتلر” النازي في رسالة بعث بها إلى ألمان السّوديت سنة 1936 يحثهم فيها على الصمود والشجاعة مستشهداً ببطولة ثوار فلسطين. يقول: “اتخذوا يا ألمان السّوديت من عرب فلسطين قدوة لكم. إنهم يكافحون انجلترا واليهودية العالمية معاً وليس لهم في الدنيا نصير أو مساعد، أما أنتم فإن ألمانيا كلها من ورائكم”. (نقلاً عن كتاب وليد جرار ص40)
أما الجنرال البريطاني (ويلسون) فيشيد بشجاعة وبسالة الجندي الفلسطيني في المعارك قائلاً: “إن خمسمائة من ثوار فلسطين يقومون بحرب العصابات، لا يكفي للتغلّب عليهم بأقل من فرقة بريطانية كاملة السلاح”. (المرجع السابق ص41)
وهنا أقول: ما حَكَّ جلدك مثل ظفرك. عليك أيها الشعب الفلسطيني أن تعتمد على نفسك لتحرير أرضك وكما قال الشاعر:
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يُراق على جوانبه الدم
اترك الخلافات والانقسامات جانباً واستذكر قول أحمد شوقي:
وَلِلحُرِّيَّةِ الحَمراءِ بابٌبِكُلِّ يَدٍ مُضَرَّجَةٍ يُدَقُّ
عدوك أيها الشعب لا يفهم “اللغة الناعمة”. اللغة الناعمة فشلت بعد أن تم تجريبها مراراً!