
اهلا - دلال ابو امنة
كلنا نطمح بأن نجد السعادة في حياتنا وأن نتغلب على نوبات القلق أو الاكتئاب التي تعترينا بين الحين والآخر، لكن لماذا غالبًا ما نقلق ونشعر بالذنب والعار نحو الكثير مما نقوم به في حياتنا اليومية؟ إحدى الأبحاث الأخيرة أثبتت أنّ مشاعر مثل القلق والشعور بالخزي وتأنيب الضمير تعزّز من نشاط الشبكات العصبيّة المرتبطة بمركز المكافأة في الدماغ (reward center) وبالتالي يجعلنا نشعر بشكل أفضل مع أنفسنا! لكن وُجد أنّ هذا التأثير يكون إيجابيًا فقط على المدى القريب وأنّ له أضرارًا نفسية وعقلية عديدة على المدى البعيد. لذلك رأيت أن أشارككم ببعض الإضاءات والطرق التي أُثبتت علميًّا في مجال علوم الأعصاب والتي يمكنها أن تصعد بكم نحو درب السعادة.
وجدت الأبحاث الأخيرة أنّ الشكر يحفّز مناطق عديدة في الدماغ على إفراز مادة الدوبامين، وهي عبارة عن ناقل عصبي أو هرمون يمكنه أن يحسن المزاج وأن يحفز الدماغ على الفعل ويزيد من التركيز والانتباه. بالإضافة لذلك، يمكن للشكر أن يرفع من مادة السيروتونين وهي المادة المسؤولة عن الشعور بالحماس والإيجابية في الدماغ. كلتا المادتين تستخدمان لتصنيع الأدوية المضادة للاكتئاب والقلق، التي تساعد أحيانًا في تحسين المزاج لكن لها مضاعفات سلبية عديده ولا يمكنها أن تؤدي إلى السعادة. كبديل لها يمكنكم ببساطة أن تشعروا بالامتنان لكل ما حولكم وأن تشكروا الناس على ما قدموه لكم، حتى لو كان بنظركم غير كافيا، تعلّموا كيف تنظروا إلى الأمور الإيجابية التي أعطوكم إياها. أكثر من هذا، شعوركم بالامتنان حتى ممن عاداكم ووقف ضدكم يمكنه أن يفيد أدمغتكم وأن يحسن من عملها. تذكروا كيف أنّ وجود المعيقين في حياتكم جعل منكم أناسًا أكثر صلابة وساهموا في إعطائكم درسًا في كيفية مواجهة الصعاب وتخطّيها. وبالتأكيد فإنّ شكر الله تعالى وحمده على عطاياه اللامتناهية والدائمة- من خلال الصلوات والتضرعات له، لهو أفضل ما يمكن أن تقدّمه لنفسك لكي تشعر بالسعادة والرضا. وكما ذُكر في القرآن الكريم: "لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ".
2. امنحوا مشاعركم السلبية اسمًا:
عندما تشعر بالحزن أو الغضب أو القلق، سمّي هذه المشاعر بإسمها وبكلمة تصفها. مثلا: "أنا أشعر بالغضب الآن" وراقب مشاعرك عن بُعد. إحدى الأبحاث التي استخدمت جهاز الرنين المغناطيسي الوظيفي fMRI وجدت أنّ لدى المشتركين الذين شاهدوا صورًا لأشخاص مع تعبيرات سلبية على وجوههم، تم تفعيل منطقة اللوزة الدماغية Amygdala، وهي المنطقة الدماغية التي تعمل على إدراك وتقييم السلوكيات المتعلقة بالمشاعرالسلبية. لكن عندما طُلب منهم أن يعطوا لهذه المشاعر اسمًا وكلمة تناسبها، تفعلت المنطقة الدماغية الأمامية والتي بدورها أدّت إلى التقليل من تفاعل منطقة المشاعر السلبية. لذلك يمكنكم التحدث مع أنفسكم عندما تشعروا بأي من المشاعر السلبية وأن تشيروا إليها كما لو كنتم تصفونها كأمر خارجي وليس كجزء من أنفسكم. يمكنكم أيضًا ممارسة كتابة يومياتكم، ووصف ما شعرتم به طيلة اليوم بكلماتكم البسيطه، هذا يساعدكم على التعامل مع هذه المشاعر بشكل أفضل وتحجيمها بحجمها الطبيعي بدون مبالغة.
3. لا تترددوا في إتخاذ القرارات:
إتخاذ القرارات المتعلقة بالأمور الصغيرة أو الكبيرة في حياتكم، مع تحديد النوايا والأهداف من ورائها، يساهم في إشراك الجزء الأمامي من الدماغ بشكل إيجابي ويقلل من فعالية منطقة السترياتوم Striatum المسؤولة عن تثبيت النوبات السلبية والسلوك الغيراجتماعي والغير مرن. لكن أحيانًا كثيرة يكون إتخاذ القرار صعبًا، هنا علم الدماغ يقترح حلاً مفيدًا: اتخذوا قرارًا جيدًا بما فيه الكفاية! حتى لو لم يكن باعتقادكم القرار الأفضل. لا تجهدوا أنفسكم في البحث المضني عن القرار المثالي لأنه وُجد أنّ البحث عن الكمال يفعّل منطقة دماغية أمامية تزيد من التوتر والقلق. بينما العمل وفق قرار جيد بشكل كاف يفعل منطقة أمامية أخرى تساهم في شعورك بالإستقرار النفسي. المهم أن تقوموا بالفعل، فالعمل عبادة.
4. تواصلوا مع أحبائكم باللمس:
وجدت الأبحاث أنّ اللمس يساعد على إفراز مادة الاوكسيتوتسين، وهي هرمون يفرز في حالات الحب ويزيد من قدرتنا على الثقة بالآخرين والتفاهم. أحد الابحاث الذي فحص رد الفعل السلوكي والدماغي لدى أشخاص متزوجين عند تلقيهم لضربات كهربائية، وجد أنّ المشاركين الذين أمسكوا بايدي أزواجهم إستطاعوا أن يتحملوا الوجع أكثر.لذلك، حضن لأحبائكم، ويفضل أن يكون طويلا، يمكنه أن يزيد من هرمون الاوكسيتوتسين والذي يساهم في إضعاف منطقة الاميجدالا المسؤولة عن الشعور السلبي.
الخلاصة من كل هذا هو أنّ كل منا قادر على شفاء نفسه بنفسه، بطرق بسيطه وفطرية منحتنا إياها طبيعتنا البشرية. الشعور بالإمتنان وتسمية الأمور السلبية بأسماءها وإتخاذ القرارات حتى لو لم تكن الأفضل وملامسة أحبائنا يمكنها أن تجعل منا أشخاصًا أكثر سعادة.
وكما يقول عالم الدماغ اليكس كورب Alex Korb في كتابه Upward Spiral :
لنتذكر أنّ كل شيئ في هذا العالم مترابط: فالشعور بالإمتنان يحسّن من النوم، والنوم الكافي يقلل من الشعور بالألم، وتخفيف الشعور بالألم يحسّن المزاج، وتحسين المزاج يقلل من التوتر وبالتالي يحسن من قدرتنا على التركيز والتخطيط. التركيز يساعدنا على إتخاذ القرارات الجيدة، وإتخاذ القرارات يقلّل من التوتر ويزيد الرضا، والرضا يجعلنا أكثر قربًا من الناس ويمنحنا الشعور بالإمتنان وبالتالي فنحن نتحدث هنا عن حلقة إيجابية يمكننا أن نغذيها بطرق بسيطة لكي نحيا حياة أكثر سعادة وسلام.
شكرًا من القلب لكل فرد منكم على قراءة هذا المنشور 
صورة أحتضن فيها ابني عندما رافقني في إحدى التجارب العلمية.
بقلم: الدكتورة دلال ابو آمنة – باحثة في علوم الدماغ والأعصاب وفنانة.