
اهلا -
يوم الأرض الأول،
بدأت القصة المباشرة سنة 1975
القس شحادة شحادة 26/03/2021
ملف خاص على شرف اليوم الذي صنعته الجماهير العربية بقيادتها المخلصة الملتزمة؛
بدأت الهبة الشعبية بمبادرة الحزب الشيوعي وكل القوى الوطنية المنظمة والفردية للدفاع عما تبقى من أراضينا وتألفت لجنة الدفاع عن الأراضي التي قادت النضال بمؤازرة كل أفراد شعبنا الواعية بكل فئاته التي حمت الأرض بالشهادة والجراح والطرد من العمل والسجون والترغيب والترهيب والذي كانت قيمته يوم الأرض بشهدائها الستة وجرح العشرات وسجن المئات.
بدأت القصة سنة 1975 عندما أعلن وزير الزراعة في ذلك الوقت مصادرة حوالي 21,500 دونم معظمها في الجليل وفي منطقة سخنين، عرابة ودير حنا، وفي المثلث والنقب. وكان الإجتماع الأول الذي دعا إليه الحزب الشيوعي بعض الشخصيات الوطنية والحزبية لتدارس الوضع الجديد الذي زجت فيه الأقلية الفلسطينية في إسرائيل. وكان القرار في هذا الإجتماع معارضة المصادرة بكل ثمن لأنه لم يبق لنا إلا القليل من الأرض التي نعتاش منها، والتي هي أساس الوطن الذي ليس لنا سواه. لقد صودر في السابق مئات آلاف الدونمات بشتى الطرق والقوانين التي سنت خصيصا لهدف المصادرة وإبقاء الفلسطينيين دون أرض، وهكذا يسهل ترحيلهم لعدم وجود أي ارتباط لهم في الأرض، واليوم نحن لا نقدر أن نتخلى عن أي شبر من الأرض، لذلك تقرر توسيع النضال ضد المصادرة ودعوة. أصحاب الأراضي التي أُعلنت مصادرة أراضيهم الى إجتماع قادم يُعقد في الناصرة في فندق جراندنيو. حضر الاجتماع أكثر من120 شخصاً بينهم بعض أصحاب الأراضي المصادرة وفي هذا الاجتماع تقرر توسيع حلقة النضال الرسمية بإشراك رؤساء وأعضاء السلطات المحلية، وكذلك الشعبية لتوعية جماهيرنا العربية بأخطار المصادرة وتأثيرها السلبي على شعبنا الفلسطيني. لذلك تقرر دعوة جماهير شعبنا إلى إجتماع شعبي كبير في الناصرة حضره الآلاف بتاريخ 18/10/1975 وهكذا كان، وبدأ شعبنا بتنظيم نفسه واختيار لجانه، وفي هذا الاجتماع تم انتخاب الهيئة العامة للجنة الدفاع عن الأراضي العربية التي بدورها وفي إجتماع لاحق انتخاب سكرتارية لجنة الدفاع عن الأراضي برئاسة القس شحادة شحادة وصليبا خميس سكرتيرا. ترأس هذا الإجتماع التاريخي في الناصرة المرحوم الدكتور أنيس كروش، وبدأ العمل الدؤوب للسكرتارية التي اهتمت بالأمور التالية:
1- تنظيم لجان دفاع محلية في كل القرى والمدن العربية.
2- تصوير جميع «بلوكات» الأراضي التي أعلنت فيها المصادرة وتوزيعها على القرى العربية من أجل متابعة النضال ضد المصادرة.
3- عقد اجتماعات شعبية في كل القرى والمدن العربية لتوعية جماهيرنا بأساليب المصادرة ومخاطرها والوقوف ضدها.
4- رفع دعاوى في المحاكم ضد الدولة لوقف المصادرة.
5- الاتصال بالمسؤولين وأعضاء الكنيست ودعوتهم لمقابلة وفد لجنة الدفاع عن الأراضي لشرح
أسباب معارضتهم للمصادرة. (ولقد كتبنا لجميع كتل الكنيست بما في ذلك رئيسها ولقد جاءنا ثالثة ردود, الحزب الشيوعي يدعونا للمقابلة، وشولميت الوني تدعونا للمقابلة، أما الثالث فقد جاء من رئيس الكنيست الذي قال أنه استلم رسالتنا والظاهر أننا اتصلنا بالعنوان الخطأ ونسي أن يكتب لنا العنوان الصواب).
6- بعد فشل كل الاتصالات مع المسؤولين وتعنتهم بمساندة المصادرة وإصرارهم بأنها لتطوير الجليل، الذي يعني تطوير المستوطنات اليهودية المقامة والتي ستقام فيما بعد، أعلنت لجنة الدفاع عن الأراضي الإضراب العام والتظاهر أمام الكنيست في الـ 30 من آذار سنة 1976.
حاولت السلطة الإسرائيلية نقل نوعية النضال الواعي والجماهيري من الشارع الفلسطيني إلى مجموعة سهلة القيادة من مخاتير ورؤساء بعض المدن والقرى العربية والتي تقودهم كما تشاء. فجاءت الدعوة لعقد إجتماع لرؤساء السلطات العربية في شفاعمرو بتاريخ 25/3/76 لبحث قضية الإضراب الذي أعلنته الجماهير العربية وقياداتها الشعبية المعبأة والواعية مصيرها ومستقبلها وآلامها وآمالها. ذهبت لإجتماع واستقبلت بحفاوة كبيرة وموافقة على الاشتراك بالاجتماع بشرط أن انصاع لقراراته، وعندها قلت إن هذا الاجتماع غير قانوني وبما أن هذا الجسم لم يعلن الإضراب ولم يشترك في الإعداد له، فهو غير مؤهل قانونيا أو شعبيا أن يوافق أو يشجب هذا الإضراب. حق الإضراب فقط لجماهيرنا العربية وإذا أردتم أن يتحققوا من ذلك انظروا إلى خارج هذه القاعة لتروا بأعينكم الجماهير الغاضبة التي تندد بعدم قانونية اجتماعكم، وبالطبع لم أشارك في هذا الإجتماع، وخرجت لكي أرقب المسرحية المهينة والتي قادها طوليدانو رئيس مكتب رئيس الحكومة للشؤون العربية، ووزع أدوارها مساعده يورم كاتس. ونجح المخطط مع الرؤساء، ولكن جماهيرنا العربية أفشلته بإصراره و إضرابها العام والشامل في الـ 30 من آذار سنة 1976.
أود أن أؤكد أن معظم الرؤساء الذين لم يؤيدوا الإضراب، فشلوا في الانتخابات للرئاسة في السنة التي تلت يوم الأرض.
بقيت لجنة الدفاع عن الأراضي تقود الصراع ضد مصادرة الأراضي ونجحت بوقف الكثير من المصادرات، منها أراضي المل المعروفة بمنطقة رقم 9 المحاذية لسخنين، عرابة ودير حنا، وأرض الروحة التي تقع قرب أم الفحم، وجعلت من يوم الأرض عيدا وطنياً لكل الفلسطينيين من مسلمين ومسيحيين ودروز، وأصبح هذا اليوم هو يوم اقتلاع الرهبة من قلوبنا وأطلق المارد من القمقم.
قلت، بقيت لجنة الدفاع تقود الصراع ضد المصادرة حتى تجّذر الصراع والعراك إلى قلبها وكيانها، ولكن، ويا للأسف، فبدل أن نعمل موحدين لصد المصادرات في وحدة صفنا وثبات موقفنا، أصبح الصراع لمن تكون الكلمة ومن هو صاحب القرار، وصار لزاما علينا إن نقتل هذا الجسم، وتسليم مسؤولية الدفاع عن الأراضي للسلطات المحلية ولجنة المتابعة العليا للجماهير العربية.
*مقال للمناضل الراحل، الرئيس الأول للجنة الدفاع عن الأراضي، اذار 2008، من كتاب خاص عن تاريخ يوم الارض لمركز "مساواة"