
















اهلا بقلم: المهندس غسان جابر (القيادي في حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية) تخيل أن تستيقظ فجأة لا على صوت منبه، بل على زلزال من نار يسقط من السماء، يخلع الأبواب، ويحرق الجدران، ويختطف أحبابك من بين ذراعيك. الطبيبة آلاء النجار لم تكن مناوبة في ذلك اليوم في مجمع ناصر الطبي بخان يونس، بل كانت هناك بصفتها "أماً" تحاول التعرف على بقايا فلذات كبدها. تسعة من أطفالها العشرة قُتلوا في لحظة واحدة، حين استهدفت طائرات الاحتلال الإسرائيلي منزلها في قيزان النجار جنوبي القطاع. آلاء فتحت أول كيس، شهقت، وصرخت: "هاي إيد بنتي؟ هاي رجل ابني؟ وين باقيه؟! وين راسه؟!" الناجي الوحيد من المجزرة هو آدم، طفلها العاشر، يرقد الآن بين الحياة والموت في العناية المكثفة، بينما جثث إخوته التسعة وصلت إلى المستشفى الذي تعمل فيه أمهم، لكنها هذه المرة لم تستطع إنقاذ أحد. أي جريمة هذه؟ أي بشاعة تبرر أن تُستهدف عائلة كاملة في نومها؟ لكن غزة اعتادت أن تُباد بصمت. الطبيبة آلاء النجار لم تخسر فقط أبناءها. خسرت قلبها، عقلها، صوتها الذي كان يداوي المرضى، صار يصرخ في وجوه العالم: "أنقذونا!" ما حدث في قيزان النجار هو وصمة عار على جبين الإنسانية. لكل من يدعي الحياد نقول: م. غسان جابر - مهندس و سياسي فلسطيني - قيادي في حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية - نائب رئيس لجنة تجار باب الزاوية و البلدة القديمة في الخليل.

تفتح عينيك على صراخ لا تعرف مصدره، تبحث عن أطفالك، فلا تجد سوى الدخان... والرماد... وأشلاء صغيرة متناثرة فوق الركام.
هنا كانت ضحكاتهم، وهنا كانت ألعابهم، وهنا... رأس أحدهم دون جسد، ويد صغيرة ممزقة تمسك ببطانية احترقت قبل أن تنجو.
تفحمت أجسادهم، تمزقت، تناثرت بين الحجارة المحترقة. لم يتبقَ منها سوى ما يمكن جمعه في أكياس سوداء.
كانت تبحث عنهم بدموع لا تتوقف، بعينين لا تصدقان. لم تتعرف عليهم بملامحهم – فقد اختفت – بل بقطعة قماش، بربطة شعر، بحذاء طفل عليه آثار دم.
البيت لم يكن فيه مقاومون، ولا أسلحة، بل عائلة تحلم بيوم جديد. هذا ليس "خطأً" كما تحاول بعض الروايات التجميلية أن تبرر، بل جريمة حرب مكتملة الأركان، موثقة بالصوت والصورة، ومسجلة في قلب كل فلسطيني وعقل كل حر في العالم.
هذه ليست حادثة فريدة، بل قصة مكررة.
كل يوم، أم جديدة تحمل جثة طفلها، كل ساعة، بيت يتحول إلى ركام، كل لحظة، روح تُزهق بلا سبب سوى أنها فلسطينية.
لكن لا أحد يجيب.
وصمة تفضح صمت العالم، ونفاق المتباكين على حقوق الإنسان في أماكن أخرى، بينما يتجاهلون أن طفلاً في غزة يُقتل كل عشر دقائق، وأن مستشفياتنا لم تعد تحتوي المرضى، بل تحتوي الجثث.
في غزة، لا خيار بين طرفين. هناك شعب يُباد، واحتلال يُفلت من العقاب.
لا مجال للصمت بعد الآن.
أشلاء أطفال آلاء تُناديكم، دماؤهم تكتب الحقيقة: نحن لا نموت... نحن نُذبح.