اهلا-امير مخول تقدير موقف: مركز تقدم للسياسات
– أعلن الجيش الاسرائيلي بأنه بصدد انجاز مهامه الحربية في قطاع غزة والانتقال من المرحلة الثانية الى المرحلة الثالثة. تشكل هذه المراحل استمرارا لذات الحرب، بينما يشكل فائض الانشغال الاعلامي فيها فلسطينيا وعربيا مجرد اوهام. يتحدث الجيش الذي تحول فعليا الى جيش احتلال في إطار حالة احتلال مستدام، بأنه سوف يتوقف عن الحرب بمفهوم الاجتياحات الضارية، الى مستوى اخر بعد أن أحكم سيطرته العملياتية على معظم القطاع ويبقى امامه مهمة اعتماد العمليات المفاجئة في سياق تصفية كل معاقل المقاومة الفلسطينية وفقا للجيش. هذه المرحلة قد تكون الأطول زمنيا، بل ان العديد من التحليلات الامنية الاسرائيلية تأتي بنموذج الانتفاضة الثانية والاجتياح الشامل لمدن الضفة الغربية، والتي لا تزال المرحلة التالية لها مستمرة الى يومنا هذا بل تتصاعد حاليا في الضفة في سياق الحرب على غزة.
– الجبهة الشمالية مع لبنان واحتمالية الحرب المفتوحة بين اسرائيل وحزب الله باتت الاولوية، وتندرج جولة وزير الحرب غالنت الى واشنطن في هذا الإطار، وكان لافتا ان من رافق الوزير هو المدير العام للوزارة الجنرال ايال زمير وهو المختص بالشأن الايراني وقد وضع قبل تسلمه المنصب تصورا متكاملا في كيفية تقويض المشروع النووي الايراني. اول اللقاءات كانت مع عاموس هوكشتاين المبعوث الامريكي للمنطقة للشأن اللبناني الاسرائيلي. وبما ان مسألة “اليوم التالي” ومصير قطاع غزة يقعان ضمن التصور السياسي فإنه ليس من صلاحيات وزير الامن سوى الجانب الامني.
– وفقا للبيت الابيض فإن مهمة هوكشتاين قد فشلت حاليا في التوصل الى تفاهمات مسبقة تحول دون الحرب، في حين صرح غالنت كما رئيس مجلس الامن القومي بأن الحل الدبلوماسي لا يزال هو المفضل. كما صدر تصريح اخر للبيت الابيض مفاده ان الولايات المتحدة لن تكون قادرة على منع اسرائيل من اعلان الحرب المفتوحة، ثم جاءت رواية وجود مخازن اسلحة استراتيجية لصالح حزب الله في مطار بيروت، مما يعني ان بيروت ومطارها تقعان ضمن الاهداف الاولى في حال الحرب، ويتعزز هذا التقدير بتكثيف نشر الجيش بمبادرة منه لآثار الدمار الكبير الذي تحدثه صواريخ حزب الله ومسيراته في المناطق الحدودية الشمالية، وهو ايضا ضمن اعداد الراي العام الاسرائيلي.
– اسرائيليا ووفقا للاستطلاعات يؤيد 53% من الراي العام مع شن حرب على لبنان ويعارضها 33% وتعني هذه الاستطلاعات وجود اغلبية ضئيلة لصالح الحرب وبالأساس عدم وجود اجماع حول حرب تبدو مصيرية.
– في اوساط اليمين الاغلبية كبيرة وواضحة لصالح الحرب، ولصالح مشاريع تعود الى ما قبل قيام اسرائيل بصدد السيطرة على جنوب لبنان حتى الليطاني وضمه الى اسرائيل ليكون جزءا منها.
– وفقا للقناة 14 وهي الفضائية التي تمثل اليمين العقائدي الاسرائيلي، فإن الحرب مع حزب الله لا بد منها عاجلا أم آجلا، والافضل لإسرائيل عاجلا كي لا يراكم من قوته وكي تستغل الفرصة الحالية بذريعة ان حزب الله هو من بدأ بالحرب، وضمن اسناد غزة واستراتيجية وحدة الساحات، وان النزوح الاسرائيلي بات امرا واقعا حاليا اضافة الى الدمار الكبير الحاصل وتهديد البنى التحتية والمرافق الاستراتيجية والحياتية للدولة.
– نظرا لان عنصر المفاجأة والمباغتة لم يعد قائما بعد السابع من اكتوبر، فأن ما يروج له المصدر المذكور هو حرب استباقية بكثافة هائلة غير متعارف عليها في المنطقة براً وجوا وبحرا وبغطاء حربي واستخباراتي امريكي، اخذين بالحسبان تحولها الى حرب اقليمية بدخول إيران فيها. بخلاف الحرب على غزة وأزمة “تزويد الذخيرة” المفتعلة مع واشنطن، فيبدو ان نتنياهو قد نجح في كسب مردود هذه الحملة داخليا على المستوى السياسي، وحربيا في ضمان كل الخبرة والمساعدات العسكرية المطلوبة اسرائيليا للحرب على الجبهة الشمالية. وفي حال كانت معلومات اسرائيل بأن إيران سوف تتدخل حربيا، فقد تبدأ الضربة في إيران باستهداف من بعيد للبنية التحتية للمشروعين الصاروخي والنووي.
– تنطلق الدعوة الى اعلان الحرب الوقائية الاستباقية من ان اسرائيل لا تستطيع البقاء كدولة اذا ما كان حزب الله سيحدد كيفية بقائها، ووقد بدأت تتسع حلقة الاصوات الداعية الى استخدام اسلحة دمار شامل غير تقليدية، بما فيها النووية التكتيكية، وذلك للتعويض عن انهيار معادلة الردع بشكلها السابق لغاية بداية الحرب، اي السعي الى حسم الحرب بضربة واحدة وبكثافة نيران فائقة. – بينما المقترحات الاخرى تتمحور حول العودة الى المشروع التاريخي الهادف الى ضم جنوب لبنان لغاية الليطاني ليكون الضم من دون سكان لبنانيين ضمانة لأمن شمال اسرائيل.
– العامل الاخر لشن الحرب هو عدم القبول باستراتيجية وحدة الساحات والسعي لتفكيكها بالحسم العسكري بغض النظر عن مآلات الحرب على غزة.
– في اعقاب قرار المحكمة العليا الاسرائيلية (25/6) الملزم للدولة بتطبيق قانون الخدمة العسكرية على المتدينين الحرديم، صرح مصدر أمنى كبير لم يفصح عن اسمه، للقنال 12، بأن زمن الحروب القصيرة والخاطفة قد ولّى وعلى اسرائيل ان تكون جاهزة لحروب طويلة الأمد وقاسية. عبر هذا المصدر الامني عن تغيير في عقيدة الحرب التاريخية، وحصريا ادارة الحرب الخاطفة في ارض العدو وحسمها بأقصر وقت كي لا تستنزف الجيش والدولة. كما انهارت عقيدة “المعركة بين الحربين” التي تم تطبيقها منذ العام 2008 ومفادها القيام بحملة عسكرية مكثفة لفترة محدودة منعا لحرب شاملة تأتي لاحقا.
– مقابل تصاعد احتمالات الحرب في لبنان وحصريا لدى الاوساط الحاكمة، الا ان تقديرات العديد من الاوساط تستبعد الحرب الشاملة ولا يمكن الجزم بأنها واقعة لا محالة، بل ان معادلة الرعب المتبادل قد تبقي قائمة.
خلاصة واستنتاجات:
• لا يوجد اجماع اسرائيلي بصدد الحرب على الجبهة الشمالية، وقد تحولت الجبهة الشمالية في اعين الإسرائيليين من وضعية ردع قائم على الهدوء الى ردع قائم على معادلة الرعب.
• قد تتدهور الامور نحو الحرب في حال حصول حدث نوعي غير محسوب، الا ان الضبط والانضباط لا زالا القول الفصل حاليا.
• في حال اندلاع حرب شاملة، ليس مستبعدا استخدام اسلحة غير تقليدية بما فيه اسلحة دمار شامل
• اطماع المشروع الصهيوني واسرائيل في لبنان هي اطماع ليست محصورة في التطورات الراهنة بل تعود لنحو قرن من الزمن، في السيطرة على نهر الليطاني ومياهه وضم المنطقة الى اسرائيل.
• التقدير بان الحرب الإقليمية الشاملة ليست مصلحة فلسطينية خالصة .