اهلا- سعيد بودبوز لماذا لا تُلعب الكرة بمثل هذه الملابس؟.
لماذا يجب أن يكون اللاعب في حكم العراة كي يلعب كرة القدم، رغم أنّ خطر السقوط يحتّم عليه أن يستر جلده؟. ثم لاحظ نوع الشورت الذي يرتديه اللاعب؛ يجب أن يكون فضفاضاً بحيث يرتفع أثناء الركض كي تظهر المزيد من العورة، وفي حالة السقوط قد يتمزق أو يطير هذا الشورت ويبقى اللاعب عارياً بصريح الوقاحة.
الجواب: هناك مخطط للتطبيع مع الانحراف. من يظن بأنّ ثمة شيئاً صدفة أو اعتباطياً في هذه الألعاب فهو واهم. لكن يبقى سؤال آخر يدعو إلى التفصيل وهو؛ لماذا يجب التطبيع مع الانحراف؟. الجواب منقوش على تلك الأشرطة الإعلانية التي تحيط بالملعب. فمن أجل أن يجمع المشرفون على الملعب أكبر قدر من الاموال مقابل الإعلانات التي يعرضونها على جوانب الملعب، إضافة إلى أموال التذاكر طبعاً، يحاولون استثمار أيّ شيء يمكن أن يحذب المشاهدين والمشاهدات. ولا شيء أكثر تأثيراً في العوام مما يرتبط بالغرائز. لقد رأينا كيف حاول المنتخب الألماني أن يستغل المونديال في قطر لنشر شعارات المثلية بصراحة، والحقيقة أنّ كائنات الظلام التي تحكم هذا العالم لا تعطي أي شيء بالمجان. فأن تعطيك تنظيم الكأس يجب أن تقدم تنازلاً ما. ولكن الشيء المذهل الذي أظهرته دولة قطر هو أنها كانت أذكى من هؤلاء الطغاة الذين وصفهم دافيد إيكه بالزواحف. لقد رأينا كيف حرصت قطر على مقاومة رياح الانحراف التي كان المونديال يهب بها من كل الجهات. لقد رأينا كيف ردّت كيد المنتخب الألماني إلى نحره، ورأينا كيف جعلت المنتخب الأرجنتيني في النهاية يرقص الرقصة الخليجية التي أصبحت اليوم مشهورة في العالم. لا أقول إن استغلال المونديال لنشر الرقصة الخليجية إنجاز عظيم، لكن أقول يقف وراءه ذكاء محترم.
لو عدنا إلى كتب القراءات المقررة في المدارس المغربية، نجد فيها عادةً صوراً لفتيات يرتدين تنورات بالكاد تصل الركبتين، وتبقى سيقانهن عارية، والفتيان يرتدون شورت أيضاً لا يصل الركبتين. وهذا هو التطبيع مع الانحلال والانحراف. لأنّ التطبيع يبدأ بأشياء تبدو تافهة للأغلبية الجاهلة. تبدو عديمة القيمة. التطبيع هو أن تجعل شيئاً طبيعياً. وهم يستغلون الأطفال ليغرسوا فيهم الجنوح نحو التعرّي، وبالتالي احتقار العفة والاستهتار بالحشمة. من يظن بأنّ الظواهر الاجتماعية الكبرى تنتجها احداث كبرى فهو مخطئ. الحدث الكبير يشعر به الجميع وبالتالي فمن الصعب أن ينطلي على الجميع. أما الأمور والأشياء الدقيقة فمن الصعب إدراكها، ولذلك تتراكم حتى تؤدي إلى تغيير جذري في المجتمع. تغيير جذري لكنه يبدو طبيعياً بفضل جهود التطبيع المبذولة. لا يجب أن تحذر من المجنون الذي يخلع ثيابه كلها في الشارع، بل يجب أن تحذر من العاقل الذي ينشر حبّ العرّي في المجتمع بالتدريج وبطرق تبدو مهذبة أو مرتبطة مع شيء تحترمه العامة. أما المجنون فهو عابر شارع ولن يتأثر به أحد.
انتبه لأبنائك الصغار وهم يشاهدون لاعبي كرة القدم يبصقون على شاشة التلفاز أمام الملايين، لأن أبناءك عندما يكبرون سيعتبرون البصاق أمام الناس أمراً جيداً، بل ربما يرتبط عندهم بالبطولة كما فعل التدخين بفضل الإشهارات الذكية. ولعلمك عزيزي القارئ، أن مارلبورو كان قد فشل في مهده ولم يعد الرجال يدخنونه حتى انعقدت مجالس جادة من طرف الشركة تدارسوت الموضوع وتوصلت لى قرار ذكي، حيث اختارت أحد رعاة البقر وقام بإشهار هذا السبجار، ومنذ ذلك الحين ارتبط مارلبورو بالرجولة والشجاعة في مخيال الإنسان الغربي، وفي ظرف وجيز حققت الشركة ارباحاً خرافية. انتبه لأبنائك وهم يشاهدون التطبيع مع التعرّي باسم كرة القدم. وانتبه لأبنائك وهم يشاهدون تصرفات غير لائقة يقوم بها لاعبو الكرة كالبصاق المتكرر وحكّ أعضاء الجسم كيفما تفق، وإخراج المخاط من الأنوف وغيرها من التصرفات الكريهة التي ربما تبدو لك تافهة أو عادية، لكن ضع في بالك أن اللاعبين أنفسهم مجرد تتمة للشرائح الإعلانية التي تُستعرض على جوانب الملعب، وبفضل الإعلانات تجد اليوم ملايير البشر مدمنين على التدخين وغيره.
