
















اهلا إذا كنتَ عاقلاً، لاحظ كيف أنّ المقدّس دائماً ضد الحياة البشرية، ولاحظ أيضاً كيف أنّ الأديان تستعمل المفياهيم والمصطلحات بشكل مقلوب، فعلى سبيل المثال، في الأدبيات الدينية هذه مدينة سلام، لكنها في الواقع لم ترَ السلام قطّ. لا أعتقد أنّه من الصدفة أن يكون فيها وادي جهنم، فلحضوره دلالات ملموسة هناك، وتقول كتب التاريخ بأنّ أوّل من استوطن تلك المنطقة هي قبيلة جهنّم. كما يوجد هناك جبل موريا الذي يقدّسه اليهود، لأنّهم يعتقدون أنّ إبراهيم حاول أن يذبح ابنه إسحاق هناك. فلاحظ عزيزي العاقل مدى تعطّش المقدّس إلى دمائك. ولكن المسلمين الذين يعتقدون بأنّ إبراهيم حاول أن يذبح ابنه إسماعيل (جدهم) وليس إسحاق (جد اليهود)، لم يكتفوا بتقديس جبل عرفة الذي هو النسخة العربية لموريا العبري، بل مازالوا يرجمون الشيطان في الحجّ إلى يومنا هذا كما يعرف الجميع، و السبب أنّ الشيطان حاول ثلاث مرات أن ينقذ إسماعيل من الذبح، وفي كل مرة (حسب الأساطير) يقوم الشيطان برشق إبراهيم بأحجار صغيرة. ولكي نبسّط أكثر: في يوم النحر (عيد الأضحى) يعبّر الحاج عن غضبه الطقوسي وسخطه على الشيطان بالرجم، لأن الشيطان حاول ان ينقذ طفلاً اسمه إسماعيل من الذبح الطقوسي الذي عزم عليه إبراهيم، وهو البطريرك الأكبر المعروف بطقوس الدم كما سبق أن قلتُ في اكثر من تدوينة، فهو الذي مزّق الطيور إرباً ووزّع أشلاءها على الجبال، وذبح العجل السمين لضيوفه، الخ۔۔ لكن العملية الأشدّ رعباً هي أنّ إبراهيم (عليه السلام) ختن نفسه وهو في الأربعين. فتصوّر عزيزي العاقل حجم الإيمان، وسوف أعفيك مما في جعبتي من الملاحظات الشيقة والشاقة والشقية حول علاقة كل هذه الدماء بالعقم، وعلاقة العقم بالأديان عموما، وعلاقتها بعقدة الصراع الرمزي واللاشعوري بين فعل "الخلق"، وفعل "الجنس"، إلى وقت آخر. المهم، لا أدري على أيّ أساس يتصوّر إنسان عاقل بأنّ بيت المقدس قد ينهض لو سقطت إسرائيل. ودائما يعودون إلى عصر عمر ابن الخطاب، ثم صلاح الدين وغيرهما من القادة المسلمين الذين حرّروا هذا البيت المقدّس، ودون أن يسألوا أنفسهم لماذا كان هذا البيت بحاجة إلى كل هذه التحارير؟.
السبب هو أنّ بيت المقدس لا يكاد ينعم القائد المسلم بتحريره حتى يتم احتلاله مرة أخرى. لهذا قلت سابقاً إنّ هؤلاء المتصارعين حالياً، سواء من إسرائيل أو فلسطين، مجرّد ممثلين. كلّ طرف منهم يظنّ بأنّه سوف ينتصر، والحقيقة أنّ الرب لم ولن يبخل على احد هناك بالهزائم، لكن دون الانتصارات. منذ سنوات قال زعيم حماس المرحوم احمد يسين بأنّ إسرائيل ستسقط عام 2027. ولكنه لم يسأل نفسه ما إذا كان ذلك يعني أن فلسطين ستنهض. في تلك الأرض الـ....مقدّسة... يوجد حقّ لليهود، وللمسيحيين وللمسلمين. ومادام هذا الحق ديني فلن يتنازل عنه أحد. نعم، فلترحل عزيزي المخدوع الذي تنتظر هناك سقوط إسرائيل. إرحل وانسَ شيئاً اسمه السلام في تلك الأرض. أعرف أن الكثيرين سيختارون أيسر التاويلات ويعتبرونني ملحداً، لكني منذ سنوات اقتنعت بأنّ حقيقة الدين عميقة جداً وعقيمة جداً. نعم، عميقة لأنّ أغلب أتباع هذه الأديان تعميهم العواطف أو الجهل أو الكسل عن إدراك مراميها والأسس التي قامت عليها. وأيضاً حقيقة الدين عقيمة لأنها تدعو إلى الفناء وتمقت البقاء. تأمّل وضعية الرهبان وفكّر وابحث واسأل نفسك؛ لماذا يتقرّبون إلى الرب بالزهد في الزواج؟. لعلك ستفتطن إلى أنّ الدين لا يريدهم أن يتزوّجوا كي لا يتكاثروا، ولكي تشيخ الإنسانية في أقرب وقت ويغرب الجميع عن وجه الأرض لصالح السماء (الملكوت). وكلّ هذا أساسه مضحك، وهو الصراع بين الخلق والجنس كما سبق لي أن كتبت منذ سنوات. وما دام هذا العقم العميق هو المشرف على الصراع الأزلي والابدي في بيت المقدس، فهذا يعني أن المتصارع الفلسطيني والإسرائيلي مجرد ممثلين، سرعان ما سيطويهم التاريخ ويحلّ محلهم من سيواصل القتال على طريقة دونكيشوت إلى ما شاء ربك. أكيد سينهزم الإسرائيلي، ولكن لن ينتصر الفلسطيني. سينهزم الإسرائيلي لأنّ وقت استبداله بملعون آخر قد يكون قريباً، هذا كل شيء. حماس ترفض حلّ الدولتين، لأنها ترى أن اليهود لا حق لهم في تلك الأرض. وبهذا تعلن بأنها غاٸبة عن الوعي والواقع معاً، فهي تنكر تاريخاً عريقاً لليهود في تلك الارض، وهذا يعني أنها تحتكم للقوة وحدها، مع العلم أن الممثل الأقوى حالياً للصراع هناك هو إسرائيل، أليس هذا جنوناً دينياً محضاً؟. القرآن نفسه يشهد بأن اليهود عمّروا تلك الأرض وخرّبوها قبل العرب. وبقليل من مراجعة كتب التاريخ يتضح للقارئ بأنّ لإسرائيل حقاً تاريخياً كبيراً في تلك الأرض، فلماذا هذه المكابرة؟. السبب هو الدين طبعاً، والإصرار على تديين الصراع.