أفترض أن المعركة العسكرية في غزة ستنتهي خلال أيام قليلة، ما لم يحصل ما هو خارج الحسبان.
وهي ستنتهي كما في الجولات السابقة بتعادل ما. أي أنه لن يكون هناك منتصر أو مهزوم. بالطبع، خسائرنا أضعاف مضاعفة لخسائر العدو. لكن المعادلة ذاتها. لم يحقق العدو ما كان يطمح إليه: لم يكسر إرادتنا، ولم يكسر بنيتنا. فوق ذلك، فإنه صار بالإمكان تكبيله بشأن القدس والاستيطان في الضفة إن لم تتدخل بشكل خرع وجبان سلطة رام الله.
لكن الأهم، والأعظم، هو أن حرب أيار، حرب سيف القدس، حرب الشيخ جراح والأقصى، استعادت الوعي واستعادت الوحدة، واستعادت إرادة القتال في الضفة الغربية ومناطق 48. وانطلاقا من هذا ستتشكل موازين قوى جديدة في الضفة. سيطرة المستسلمين الذي يبحثون عن زيادة ملايينهم في البنوك ستتقلص، ويجب أن تتقلص. وأساليبهم الاستسلامية في مواجهة الاستيطان والضم وهدم البيوت ستتغير. سيفرض الناس أساليب أخرى، وطرائق أخرى.
بمعنى آخر، توقف القتال في غزة، لكنه لن يتوقف في الضفة. خلّ غزة تلملم جراجها، وتستريح قليلا، لكن خلّ الضفة تواصل المعركة بشكل ما، ضد المستوطنين والاستيطان، وضد نهب الأرض، وضد سلطة الاستسلام معا.
وأهم شيء هو عدم ترك الأمور للسلطة. عدم تركها لأبو مازن. إن تركنا الأمور له سيخرّب أي انتصار صغير أو كبير حصلنا عليه، وسنعود إلى نقطة الصفر. الناس التي تدخلت في الحرب، رغم السلطة، ورغم إرادتها، يجب أن تظل يقظة وأن تواصل تحركها. وتوقف النار في غزة لا يعني أن علينا مغادرة الشوارع.
لا يجب ترك الأمور للسلطة الميتة. فهي ستعيدنا إلى حالة الموات وانعدام الوعي من جديد. يعني: يجب أن تكون هناك سلطات أخرى تأخذ بيدها أمر المواجهة، إلى أن يحل أمر تغيير هذه السلطة أو إصلاحها بشكل جذري. سيأتي المبعوثون الأميركيون للتفاوض، وسيفاوضون الموتى في السلطة، وسيبدو الأمر كما لو أننا عدنا إلى نقطة الصفر. لا يجب السماح بهذا. من يقاوم هو الذي يفاوض. يجب خلق حقائق سياسية على الأرض لمنع العودة إلى النقطة صفر، كما حصل في المواجهات السابقة. يجب أن يصير المقاومون هم المفاوضون.
وأنا أقترح تشكيل (هيئة للدفاع الوطني) من كل الأجسام والمجموعات التي خاضت المعركة في الضفة. مهمة هذه الهيئة مواجهة الاستيطان والمستوطنين، مواجهة الاستيلاء على الأراضي، مواجهة الاعتقالات، مواجهة الاعتداءات في الأقصى وفي القدس عموما.
باختصار، يجب ان تنشأ ازدواجية سلطة ما على الأرض. سلطة الناس والمقاومين في مقابل سلطة المستسلمين، إلى أن يجري تبديل السلطة أو تغييرها بإجماع وطني.
أن يتوقف القتال في غزة لا يعني أن نذهب إلى النوم. هذا لا ينفع. سوف تضيع التضحيات إن فعلنا هذا. وأول شيء هو أن لا نضع الأمور بين يدي أبو مازن من جديد. يجب أن يتمسك المقاومون بما تم إنجازه. يجب أن لا يخلو الميدان لمن يستعد للانقضاض عليهم وعلى ما أنجزوه.
الحرب على غزة توشك أن تنتهي. لكن حرب كفّ يد المستسلمين عن الشأن الوطني ستكون قد بدأت. فإرادة الشعب المقاومة يجب أن تكون هي السلطة.
ولا عودة هذه المرة إلى نقطة الصفر.